عـــــــاجـــــل
ستارويل تفتتح محطة بنزين جديدة في حدائق المروج/نعسان: إنطلاق الدورة الثامنة لأسبوع المطبخ الإيطالي في العالم: وزير التعليم العالي والبحث العلمي يعلن عن انطلاق مشروعي تركيز السحاب الرقمي القطاعي ودراسة وتصميم من... مصالح الحرس الديواني بجربة تحبط محاولة تهريب كمية من البضائع المهربة بقيمة تجاوزت ال4مليون دينار إرتفاع حصيلة وفيّات زلزال تركيا وزيرة التجهيز تضرب بقوة... تسحب رخص لعدد من الشركات وتسترجع 3 مقاطع رخامية بمساحة 12 هكتارا نجاح ديواني جديد في إحباط تهريب أقراص مخدّرة طائرة جديدة للخطوط الجوّية التّونسية بسام معطر:الهيئة العليا للانتخابات اكتفت بالسهر على تنفيذ المراسيم ذات العلاقة بالمسار الإنتخابي الكشف عن منظّم هجوم جسر القرم والمتواطئين معه شركة أوريدو تونس تعلن عن شعارها الجديد "طور عالمك" وعن علامتها التجارية بحلّتها الجديدة دورة تكوينية لفائدة 20 شابة من 15 دولة حول تربية الأحياء المائية بالبحر الأبيض المتوسط و البحر الأسو...
تحقيقات

( إعــداد: قــيس الــعرقوبي ) // السود في تونس: هل هم مواطنون من الدرجة الثانية؟؟ ( الجزء الأوّل )

Résultat de recherche d'images pour "‫السود في تونس‬‎"


في الآونة الأخيرة كثرت تحرّكات أصحاب البشرة السّوداء من التونسيين، ردّا على بعض
الحوادث التي اعتبروها عنصريّة، واستهدفت عددا من المواطنين والأجانب من ذوي
البشرة السّوداء.

وللعودة إلى هذا
الموضوع التاريخي الحسّاس، يستوجب الأمر من الإنطلاق بالتذكير أنّ تونس ألغت نظام
الرق نهائيا عام 1846 (في عهد الباي أحمد بن مصطفى)، وسبقت بذلك جميع الدول
العربية وبعض الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة التي الغت نظام الرق في زمن
الرئيس إبراهام لينكولن عام 1865.
                                السود وإرث
العبودية الثقيل

في جانفي 1846 تمّ في تونس إلغاء
الرقّ من طرف المشير أحمد باشا باي حاكم الإيالة التونسية تحت ضغوط أوروبية كان
الهدف من ورائها إلغاء استعباد أسرى القرصنة البحرية من الأوروبيين، وهو ما مفاده
أنّ السود في تونس لم يكونوا هم المستهدفين من هذا القانون، ولكنهم استفادوا منه
رغم أنه لم يلغ واقع العبودية بالنسبة إليهم، إذ تواصلت لعدة عقود بعد هذا القرار،
خاصّة في مناطق واحات الجنوب حيث استوطنت أعداد كبيرة من السود، الذين تمّ جلبهم
منذ الفترة الوسيطة من مناطق جنوب الصحراء لاستغلالهم كعبيد وخدم، حيث أنّ امتلاك
العبيد والخدم السود كان نوعا من الوجاهة الاجتماعية.

وحتى بعد أن تمّ القضاء نهائيا على
العبودية فإنّ رواسب تلك الفترة قد ظلّت سارية في ظلّ نظام اجتماعيّ بقي وفيّا
للماضي، حيث بقي الأسود يلقّب بالعبد والخادم حتى وهو حرّ، كما أخذ الكثير من
السود أسماء وألقاب مالكيهم السابقين وبذلك بقوا يحملون إرثهم العبوديّ في مجتمع،
لا يزال إلى حدّ الآن في كثير من المناطق، يرفض المساواة، بل ويصرّح بها ويفصل بين
الأبيض ( الحرّ) والأسود (العبد) حيث أنّ الثقافة اليومية المتداولة، وجملة الرموز
التي يتناقلها الناس في معاشهم اليوميّ، لا زالت تحتفظ ببقايا هذا التمييز، وذلك
باستعمال مصطلحات وصفات من القاموس اللوني الذي يتمّ تلطيفه لإصباغه بمشروعية
أخلاقية تجيز له التصريح.

وفي هذا المنحى يقول الأستاذ هشام
الحاجّي، المختص في علم الاجتماع، أنّ “هذا التمييز يعود بالأساس إلى أسباب
ثقافية، إذ أنّ هناك رغبة مجتمعية لاواعية للحفاظ على التجانس اللونيّ خاصّة وأنّ
الثقافة التقليدية، التي لا تزال فاعلة في جوهرها، ثقافة هرمية تقوم على الثنائيات
وتستعيد بشكل من الأشكال ثنائية السيد والعبد، وهذا التمييز وظّفته الثقافة
الشعبية للحفاظ على هذه الهرمية من ناحية، ولمنع كلّ حراك من شأنه أن يهدّد أسسها
ويدعو إلى تغييرها
.

وفي اتصال بالواقع اليومي المعيش،
تحدّث الشابّ حسن حنزولي وهو أصيل مدينة مارث بالجنوب التونسي عن مسألة التمييز
فقال إنّ المسألة تظلّ معنوية بالأساس، إذ تحسّها من خلال الحركات والكلمات التي
تبدو بسيطة وعادية بالنسبة للبعض ولكنها غير ذلك، حيث تنعت دوما “’ بالوصيف ” أو ’
الكحلوش ” وبالتالي فإنّك أقلّ قيمة من الأبيض، خاصّة في الجنوب، حيث العلاقة هي
علاقة عمودية بين الأبيض والأسود نظرا للعلاقة القديمة المتّصلة بأفضلية الأبيض عن
الأسود وبسلطته عليه في السابق
.

الدولة الحديثة وأحادية اللون

بقيت دولة الاستقلال في تونس على مدى
عقود من الزمن رهينة الحزب الواحد خاصّة في عهد الرئيس السابق الحبيب بورقيبة، وهي
الآن بعد أكثر من خمسين سنة من إعلان الجمهورية التي لا تقيم تشريعاتها أيّ تمييز
على أساس لون البشرة، سواء من زاوية التمتع بالحقوق المدنية والاقتصادية أو
الاجتماعية أو من زاوية الإفادة من الحقوق السياسية، تصويتا أو ترشيحا أو تبوّءا
للمسؤوليات المتقدمة بأجهزة الدولة، قد بقيت رهينة اللون الواحد، رغم أنّ نسبة
السكان ذوي البشرة السوداء هي في حدود العشرة بالمائة، ليبقى السود مغيّبين عن
المناصب العليا في الدولة، حيث لم يسبق أن تقلّد أيّ أسود منصبا وزاريا، كما لم
يدخل تحت قبة البرلمان أيّ نائب أسود كما لم يسجّل العنصر الأسود في قائمة السفراء
إلا في مناسبتين اثنتين على مدى خمسين سنة.

وفي حادثة ضمن هذا السياق وقع في
أوائل ثمانينات القرن الماضي تعيين مسؤول جهوي (معتمد) أسود في إحدى مدن الجنوب،
حيث تمّ طرده قبل أن يباشر مهامه من طرف إحدى الشخصيات النافذة من أصدقاء الزعيم
الراحل بورقيبة، بسبب لونه، إذ أنه من غير المنطقي ومن غير المعقول – حسب السائد –
اجتماعيا أن يتم تعيين مسؤول ذي بشرة سوداء في منطقة تابعة لنفوذه.

وبهذا يبقى السود خارج فضاء السلطة
نتيجة لمجتمع يرفض ارتقاء الأسود الموسوم بالدونية لدى البعض، ويرجع الدكتور مهدي
المبروك، المختصّ في علم الاجتماع، هذا الإقصاء إلى “اللامساواة الاجتماعية وإلى
تراث التهميش الذي تعرّض له هؤلاء لعدّة قرون، والذي منعهم من التدارك الاجتماعي
في الدولة الوطنية الحديثة، وذلك ما يجعل حظّهم في إفراز النخب السياسية العليا
بالأساس قليلا ومنعدما ويحتاج إلى الكثير من الوقت لكي يتحقق
“.

التمييز والعنصريّة في الزواج

لئن يعتبر السود جزءا من النسيج
المجتمعي التونسي، فإنّ الزيجات المختلطة لا تزال تعتبر من الحالات النادرة،
وخاصّة منها زواج الأبيض من سوداء، والمجتمع التونسي هنا لا يختلف عن بقية
المجتمعات التقليدية، إذ أنه وإن كان يستبطن ريبته من المختلف في الدين أو في
العرق، فإنّه يعلنها صراحة في مسألة الزواج فهو لا يستسيغ هذه العلاقة، بل يرفضها
صراحة. فالزواج هو القلعة الحصينة التي تأوي إليها ثقافة التمييز وتتحصن وراءها،
خاصّة أنّ علاقات النسب والمصاهرة هي أكثر العلاقات التي تبرز الرغبة في الحفاظ
على النسق والنمط الاجتماعي القائمين، وذلك بالنظر إلى الأهمية الاجتماعية
والاقتصادية والثقافية لمؤسسة الزواج كعملية إنتاج مجتمعيّ وإعادة إنتاجه.

 ولا شك أنّ عوائق عديدة تبقى قائمة في ما يتعلّق
بالزواج بين السود والبيض، فالمجتمع التونسي كمجتمع تقليديّ لا يعتبر الزواج مسألة
شخصية، بل يوظّف هذه المؤسّسة ضمن إستراتيجيته المجتمعية، وهو ما يتجلى في تبخيس
قيمة الحبّ وكلّ الاعتبارات الذاتية عند الاختيار

.

وفي هذا الإطار تحدّثت السيدة ريم
الحمروني، وهي ممثّلة مسرحية تونسية، سوداء البشرة ومتزوجة من رجل أبيض، عن
تجربتها التي اعتبرتها تجربة شاقّة وقاسية، خاصّة في مرحلة الزواج الأولى، من خلال
نظرة الاستغراب والاستهجان التي كانت تحسّها في نظرات الآخرين، واعتبار زوجها
بمثابة المسكين المتزوج من “وصيفة
“.

وأمام هذا الصدّ الاجتماعيّ الرافض
للزواج المختلط، قال الشابّ رضا –ب (صحفي): “لن أتزوّج من بيضاء حتى أكون رجلا
أمام نفسي، بالمعنى الاجتماعي للكلمة، ولكي لا أحسّ يوما بالنقص أمام زوجتي… أقول
هذا من خلال معرفتي بالمجتمع التونسيّ الذي يرى أنّ الأسود غير لائق بالمرأة
البيضاء، وغير مرادف لها مهما كان مستواه الثقافيّ والمعرفيّ والماديّ
“.

هذا الرأي يرجعه الدكتور مهدي المبروك
إلى التنشئة الاجتماعية وإلى التربية على الخوف والرهبة من الآخر، في مجتمع ينظر
إلى الآخر، المختلف في العرق، بدونية وتحقير ولا يرجع فشل العلاقات المختلطة إلا
إلى الأسباب اللوني.

ملاك زوايدي فتاة سمراء ذات جمال
وثقافة محترمين، ترى أنّ الشابّ الأبيض لا ينظر إلى الفتاة السمراء إلا من خلال
عين الشهوة (جسد وجمال مختلفان)، ومن خلال الرغبة في التشكيل اللونيّ، وتقول في
هذا الشأن : “منذ صغري كانت أمي توصيني بأن أحافظ على” قشرتي” ليقينها بأنّ الأبيض
لا ينظر إلى السوداء إلا بنظرة الشهوة والنزوة العابرة، وللأسف الشديد وجدت أنّها
محقّة في ذلك من خلال معايشتي للواقع.

ومن جهة مقابلة تقول شادية غ، وهي
فتاة بيضاء أصيلة إحدى مدن الجنوب التونسي أنّ زواج البيضاء من أسود خاصّة في
الجنوب التونسي، هو ضرب من المستحيل ومجلبة للعار لها ولأهلها، فلا تتزوّج من أسود
إلا ذات السمعة السيّئة، ومن تقدم بها العمر، واليائسة من الزواج بأبيض.

ومع هذا فإنّ كلّ هذه العوائق
والحواجز لم تمنع من وجود عديد التجارب الثنائية الناجحة التي آمنت بقيمة إنسانية
ثابتة، وهي قيمة الحبّ التي تبقى قادرة على كسر كلّ القيود والحواجز المجتمعية
البائس.

وهنا فإنّ النخب والفاعلين الثقافيين
مدعوّون للتعامل مع بقايا الثقافة التقليدية، من أجل تغييرها، حتى تبرز قيم
المساواة الأنطولوجية بين الناس بعيدا عن دينهم أو لونهم أو عرقهم
.

طالما عاش ذوو البشرة السوداء على
هامش المجتمع التونسي، أكانوا متحدرين من عبيد، أو سكاناً أصليين أو مهاجرين
وافدين. ومنذ إلغاء العبودية (عام 1846، ثمّ الإلغاء الثاني في 1890)، لم يطرأ
تغيير ملحوظ على صورة و«وضعية» السود، أو بالأحرى على وضعهم في مخيّلة التونسيين
وفي الساحة التونسية بشكل عام
.

أكثر من ذلك، ومن دون حتى الحديث عن
تهميشهم في المجال السياسي، ولو اكتفينا بالأطر الاقتصادية والاجتماعية، ظلّ السود
مهمّشين ومُبعَدين وحتّى خاضعين للتمييز. في نِسَب الفقر، فالأشدّ فقراً في تونس
هم ذوو البشرة السوداء. في الواقع، غالبية السود لا يملكون أراضٍ أو منازل. 

كيف
يمكن تفسير هذا الغياب الملحوظ للتونسيين من ذوي البشرة السوداء عن المشهد
الإعلامي والثقافي والفني والسياسي، منذ عهد بورقيبة حتى يومنا هذا؟ أليس هناك سود
يتمتعون بالكفاءة ويقدرون على تسلُّم مناصب مهمّة أو رفيعة المستوى؟ رجاءً لا
تعدّدوا مثالَين أو ثلاثة عن تونسيين من البشرة السوداء تسلّموا مناصب مهمّة.
الحديث هنا يدور حول فئة من السكان تمثّل أكثر من 15 في المئة من التونسيين، ورغم
ذلك فهم غير حاضرين بتاتاً على الساحة السياسية: وبشكل متناقض، هُم مرئيّون لأنّهم
سود وسط غالبيّة مواطنين من ذوي البشرة البيضاء، لكنهم أيضاً غير مرئيين لأنّه لا
يُراد لهم أن يكونوا مرئيّين، ولا أخذ حاجاتهم وحقوقهم بعين الاعتبار.

هذا الحكم المُسبَق حول نقص كفاءة ذوو
البشرة السوداء يتبنّاه البعض ممّن يعتبرون أنّ أصحاب البشرة السوداء لا يحصّلون
شهادات علمية عليا. هؤلاء محقّون في ناحية وحيدة: يمكننا التقدير اليوم أنّ أكثر
من 80 في المئة من الزنوج لا يتابعون دراسات عليا. تكمن المسألة في فهم السبب. مَن
المسؤول عن غيابهم وصمتهم وتهميشهم؟ في الواقع، توجد في جنوب البلاد غيتوهات، وهي
مساحات منفصلة بشكل شبه كامل مادياً (خدمات المواصلات فيها سيئة)، واقتصادياً عن
بقية أرجاء البلاد، وحيث لا يعيش تقريباً إلا سود. نجد وضعيّة مماثلة في مناطق
أخرى، لكن في حالة هذه الغيتوهات، هناك تهميش مثلَّث الأطراف: مادي، اقتصادي، و”عرقي”.

السود في تونس
سكّان “غير مرئيين” أم “مرئيين”؟؟؟

مَن المسؤول عن هذه العقلية التي
تتعاطى مع ذوي البشرة السوداء على اعتبار أنهم مواطنون من الدرجة الثانية؟ جميعنا
متورّطون (الدولة والمثقفون والاعلام والباحثون والنظام، وبالطبع، أصحاب البشرة
السوداء أنفسهم، الذين وافقوا على هذا الوضع من دون وعي أو رغماً عنهم). وفي هذا
السياق، تؤدّي الأبعاد الاقتصادية والماديّة دوراً مهماً: في كنف عائلة متواضعة من
ذوي البشرة السوداء، تحتلّ إدارة الحياة اليومية أبعاداً أكثر أهمية من المطالبة
بالاعتراف بوضعيتهم وبحقوقهم، وهي المطالبة التي يجهل المواطنون السود المسار الذي
يجب اتباعه من أجل الوصول إليها
.

هل كانت وضعية غياب السود عن المشهد
قراراً إرادياً من قبلهم؟ أغلب الظنّ أنّ ذلك ليس خياراً بل استبعاد إرادي، واع،
ومطلوب سياسياً. كان بورقيبة شديد الذكاء ويعرف أنهم يشكلون فئة هشّة ومهمَّشة من
السكان، لكنه رغم ذلك لم يلحظهم في مشاريعه التنموية ولا في خطاباته. لقد حارب
بورقيبة «العروشية» (أي القَبَلية) وفحولة الرجال، وساند النساء، والطبقة الوسطى،
والفقراء بشكل أو بآخر. لكنه لم يدعم الزنوج (علماً بأنهم مسلمون ويتحدثون اللغة
العربية بلهجتها التونسية)، بينما كان قادراً على فهم المكوّنات المختلفة لتونس، وفهم
طبيعة العنصرية وميكانيزماتها والتمييز العرقي ضدّ أصحاب البشرة السوداء. حتى أن
بورقيبة نفسه كانت لديه أحكام مسبقة عديدة ضدّ السود، ويُنقَل عنه سرده نكات عديدة
عنهم، حاله كحال العديد من التونسيين الذين لا يرون في أصحاب البشرة السوداء سوى
خَدَم، و«مهرّجين» لا يجيدون إلا إضحاكنا
.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
error: هذا المحتوى غير قابل للنسخ أو الطباعة.

يمكنكم أيضا متابعتنا على صفحتنا على الفيس بوك