( قيس الــعرقوبي // بــتصرّف ): صورة الثقافة التونسية في العهد الروماني

تنشره غدا الإٍربعاء الموافق لـ 22 مارس 2017 إحدى الصحف العربيّة يتضمّن قراءة للأكاديمي الجامعي والكاتب التونسي
حسونة المصباحي للمشهد الثقافي التونسي خلال الحقبة الرومانيّة، قراءة غزيرة
المحتوى، عميقة الدلالات، يمكن تناولها كما يلي:
سواء قبل المسيح أو بعده، إلاّ أن أغلب هذه الكتب ظلّت محبوسة في دوائر ضيقة لأن
أغلبها كتب باللغة الفرنسية، وهذا ما ساهم في بقاء الإرث الروماني بتونس مسألة
غامضة للكثير من القراء التونسيين والعرب”.
التونسية في العهد الروماني” للمؤرخ التونسي عمّار المحجوبي جاء ليملأ فراغا
كبيرا، ويسمح لمن لا يحذقون لغة موليير، التي كتب بها هذا النمط من المؤلفات،
بالتعرف على الجوانب الحضارية والثقافية والسياسية والاجتماعية والعمرانية في
البلاد التونسية في العهد الروماني. كما أنه جاء ليثري جدلا حول التاريخ التونسي
الذي يرغب الأصوليون في تقزيمه، وتفتيته، وتشويهه ليكون عاكسا لرؤيتهم الضيقة،
ولتزمّتهم، وانغلاقهم”.
الزمان بتونس، يشير عمّار المحجوبي إلى أن كتابه فرضته الفترة التي تعيشها تونس
راهنا، والتي تميزت خاصة بـ”إقرارها بميزة المواطن، وذاتيّة الفرد”، كما أنها
“فكّت عقدة قيده من التبعيّة، عشائريّة كانت أم طائفيّة أم عقائديّة”.
الذي تميزت به البلاد التونسية في العهد الروماني. وقبل قدوم الرومان كان أهل
المغرب يتكلّمون اللغات اللوبية، التي منها توالدت اللغات البربرية الحديثة
المتداولة راهنا في الجزائر، وفي المغرب الأقصى.
اللغة اللاتينية انتشارا واسعا، جاذبة إليها النخب الجديدة من أهل البلاد
الأصليين. وكان الرومان يولون البلاغة وفنّ الخطابة الذي برع فيه الكثير من أبناء
روما، اهتماما كبيرا. وفي المرحلة الأخيرة من التعليم يقع التركيز على تلقين
الطلبة الفصاحة وعلم البيان استنادا إلى النصوص الأدبيّة الرفيعة.
مسرحيّات تقدم باللغة اليونانية التي ظلت في العهد الروماني، خصوصا في المنطقة
الشرقية، لغة النخب الفلسفية والفكرية، ولغة كبار الأدباء والشعراء. وكان الطلبة
يستمعون أيضا إلى محاضرات في الفلسفة، ويشاركون في المناظرات الشعرية. ولم تكن
الدراسة تشغلهم، كما أثبت ذلك القديس أوغسطينوس في “اعترافاته”، عن اللهو والعبث
والمجون وحضور حفلات خليعة في المسرح، وأخرى دموية وعنيفة في المُدرّج البيضوي.
مجال الفصاحة وفن الخطابة، وهو من مواليد بقيرطا (قسنطينة راهنا). وبعد أن أكمل
دارسته أمضى بضع سنوات في الإسكندرية التي كانت آنذاك مركزا مهما للثقافة
اليونانية. بعدها انتقل إلى روما، وفيها اشتهر بـ”سعة ثقافته، وفصاحة لسانه،
وتفوّقه في المحاماة”.
معلّما للشاب مرقوس أورليوس قبل أن يعتلي العرش الإمبراطوري.عنه كتب عمّار
المحجوبي يقول “وممّا ميّز أفرنتو، أسلوبه السهل في رسائله، وتعبيره البليغ، لكنه
كان كثير التعلق بجمال الأسلوب إلى حدّ التكلّف، وبندرة اللفظ واختياره من بين
قديم الكلام إلى حدّ التعقيد، وكثير الإهمال للمعنى وجوهر الخطاب حتى صار يطرق
مواضيع تافهة المعنى، ساذجة اللبّ، كالإشادة بالدخان، والتنويه بمزايا الغبار”.
الثاني يحظى بشهرة عالمية واسعة بفضل رائعته “تحولات الجحش الذهبي” التي نالت
إعجاب كبار الأدباء والشعراء في جميع الثقافات واللغات القديمة والحديثة. ويجمع
المؤرخون على أنه كان أحد كبار المجددين في الآداب اللاتينية.
ومبكرا ترك أبوليوس مسقط رأسه بمودوروس(هي الآن على الحدود التونسية-الجزائرية)،
ليتابع دراسته في قرطاج مُنجذبا إلى الأفلاطونية الجديدة، وإلى الأديان الشرقية،
كما إلى السحر وعالم الغيب. ويروي المؤرخون أنه لجأ إلى السحر لإغراء امرأة غنية
تزوّجها بعد عودته من أثينا.
تعرف على كبار العائلات فيها. وفي مدينة صبراطة، مَثَلَ أمام المحكمة وألقى مرافعة
شهيرة اختار لها عنوان “التبرير”.
البحر المتوسط، استقر أبوليوس في قرطاج ليعيش السنوات الأخيرة من حياته مكللا
بالمجد والشهرة. وقد تضمنت روايته “تحولات الجحش الذهبي” التي ألفها سنة 170
ميلاديًّا، والتي كانت باكورة الروايات النثرية اللاتينية، مشاهد مضحكة وأخرى
مأساوية عن الحياة الاجتماعية في البلاد التونسية زمن الرومان. بطل الرواية شخص
يدعى لوقيوس يناله الدنس فيتحوّل إلى جحش شكلا وخلقا. وفي النهاية يتخلص من اللعنة
التي أصابته بعد أن ابتهل إلى الربة الشرقية إيزيس.
أفريقية، برز أدباء ومفكرون كبار، ولعل القديس أوغسطينوس (334-430) أعظم هؤلاء
جميعا. ويشير عمّار المحجوبي إلى أن مكانته لا تختلف عن مكانة ابن خلدون في القرن
الرابع عشر بعد أن ساد الإسلام، وانتشرت اللغة العربية. وهو من مواليد بتغاست في
موقع سوق هراس اليوم على الحدود الجزائرية-التونسية.
هوميروس وفرجيليوس، كما تعلم اليونانية واللاتينية. وفي قرطاج التي استقر فيها
شابا، درس الفلسفات اليونانية، مظهرا نفورا واضحا من المسيحية.
والفكرية والفلسفية، واقترب من النخب المتهافتة على البلاط الإمبراطوري. وتحت
تأثير أمبرزيوس، أسقف ميلانو، فتن بالمسيحية وعاد إلى بلاده ليصبح أسقف مدينة
هبّونا (عنابة الآن). وفي هذه الفترة من حياته، انشغل بتأليف “الاعترافات”،
و”مدينة الله”، و”البحث في مسألة الثالوث”.
أفريقية ودمروا مدنها، وحاصروا هبونا، فأصيب أوغسطينوس بحمّى شديدة أدت إلى وفاته
في الثامن والعشرين من شهر أغسطس عام 430 ميلاديّا. وبوفاته فقد الغرب المسيحي
“مفكرا أضاء بنور عبقريته حضارة العهد القديم، وساهم في إشعاعها على العالم
بأسره”.