ضمن عروض المسابقة الرسمية للدورة السادسة والعشرين لأيام قرطاج المسرحية، احتضنت قاعة الريو بالعاصمة، بالأمس الأحد 23 نوفمبر 2025، العرض المسرحي القادم من مصر “سقوط حرّ” إخراج محمد فرج خشاب وإنتاج نقابة المهن التمثيلية بمصر برئاسة الفنان القدير أشرف زكي.
“سقوط حرّ” مسرحية مقتبسة عن نص “ميراث الريح” (1955) لجيروم لورانس وروبرت لي، وهو في الأصل نص يستعيد محاكمة حصلت في الواقع بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1925 وهزت الشارع الأمريكي آنذاك، محاكمة كان المتهم فيها معلّم أقدم على تدريس نظرية التطور لتلاميذه، وظلت ذات أبعاد رمزية وفكرية وحتى فلسفية تعالج مسرحيا وفنيا إلى يوم الناس هذا.
المخرج محمد فرج خشاب، حاول في هذا العمل “سقوط حرّ”، أن يكون أكثر قربا والتصاقا وتأثيرا في الجمهور، فنهل من عدة مدارس، حيث استحضر “بريشت” في دخول الممثلين وتحرك الراوي، وركّب في ديكوره وفي السينوغرافيا عرضا يتماشى مع المسرح الدائري، حين استدعى الجمهور ليجلس على يمين فضاء المحكمة ويساره وأمامه في المدارج كما قدم في قاعة الريو، ويصبح بذلك هذا الجمهور جزءا من المحاكمة ومشاركا فيها، خاصة وأن شخصية الصحفي في هذا العمل اصطفت مع الجمهور والذين مثلوا بمشاركتهم هذه على الركح “المحلفين”.
وبالفعل، بمجرد دخولك العرض تشعر وكأنك في قاعة محكمة، بيد أن يحاكم اليوم هو الفكر الحرّ والعلم.. هو المعلم والمربي.. حالة استنفار كبرى بين الفكر والقيود وبين حرية التفكير والعلم من ناحية وبين القانون والمناهج التعليمية من ناحية أخرى. لكأن هذا العمل المسرحي الذي يعرض شخصيات متخيلة من قصة واقعية في الولايات المتحدة الأمريكية، يتحدث عن الآن وهنا في المجتمعات العربية وينتقد بطريقة غير مباشرة التعليم في مجتمعاتنا وقد سطرته القوى الغربية وخاصة منها القوة الأكبر التي من داخلها ولدت القصة الحقيقية لهذا العمل.
في مسرحية “سقوط حرّ” المصرية يشدّك ذلك الصراع النفسي والفكري، وذلك الصراع الفلسفي بين المقدس والعلمي، في مراوحة مدروسة بين التراجيدي العميق الذي يجعلك تعيد التفكير والتساؤل والكوميدي الذي يجعلك تسخر من القوانين والمقدسات التي تقيد حرية التفكير والتعبير، وتمنع الاجتهاد والتطوير والتفكير.. كل ذلك في محاكمة.
كل الشخصيات في مسرحية “سقوط حرّ”، كانت شخصيات مركبة من الشخصية الرئيسية المتهم المعلم برترام كيتس الذي نجح في أدائها باقتدار الممثل أحمد ألو زيد إلى محاميه المتطوع هنري دراموند هذه الشخصية التي أبدع في أدائها الممثل مصطفى عسكر، والذي شكل مع زميله (هاني الطمباري) المدافع عن الحق العام ضد المتهم، ثنائيا رائعا في إبراز هذا الصراع المشحون، والذي قاطعته بهدوء درامي لافت مشاهد عبور الطفلين أو التلميذين الذين تكفي شهادتهما منطقيا لا قانونيا لتبرئة معلمهما، على عكس شهادة مدير المدرسة التي كانت أيضا مشحونة نفسيا مبرزة التمزق الداخلي لهذه الشخصية، رغم محاولة إدانتها للمتهم.
أما شخصية القاضي الذي شكليا كان بمفرده في مواجهة الجمهور لكونه كان الوحيد الذي يقابلهم وجها لوجه تقريبا، فقد كانت شخصية هادئة ملتزمة بالنص القانوني، لكن في عدم مقاطعتها المقصودة للتشنج الحاصل بين الادعاء والدفاع أحيانا كانت تظهر بطريقة غير مباشرة اصطفافا لا واعيا مع الفكر الحرّ أو مع ذلك المعلم والمربي المتهم، لذلك بعد جمع آراء المحلفين لم ينطق بالحكم ليجعل الجمهور يحكم بنفسه على النهاية الدرامية
مسرحية سقوط حرّ ضمن المسابقة الرسمية لأيّام قرطاج المسرحية
121
تعليقات الفيسبوك