زيارة حكوميّة للمغرب والمطلوب حسن استغلالها
يشرع رئيس الحكومة الحبيب الصّيد في زيارة رسميّة للمملكة المغربيّة تستغرق يومي 10 و11 من شهر ماي الجاري، حيث تقول المصادر الرسميّة الحكوميّة أنّ الزيارة في مغزاها الأساسي “تأتي من أجل مزيد تعزيز العلاقات الثنائيّة وتعميق التشاور السياسي، وتندرج كذلك في نطاق حرص الجانب التّونسي على الارتقاء بمسار التعاون والشراكة القائمة واستجابة لتطلعات التّونسيين وأشقائهم المغاربة في التّكامل والاندماج”.
وتؤكّد المصادر الحكوميّة أنّ “زيارة الحبيب الصّد من شأنها أن تكون فرصة واقعيّة تمكّن من الرفع من مستوى تنسيق المواقف حول قضايا المنطقة وفي مقدمتها الوضع في ليبيا ومواجهة الإرهاب، إلى جانب تفعيل المسيرة المغاربية، على ضوء نتائج اجتماع الدورة الرابعة والثلاثين لمجلس وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي الذي التام بتونس من2 إلى 5 ماي “2016.
وتتابع المصادر ذاتها أنّ “الزّيارة ستكون مناسبة لمتابعة سير تنفيذ قرارات الدورة 18 للجنة المشتركة التونسية المغربية التي احتضنتها تونس يوم 12 جوان 2015 بإشراف رئيسي حكومتي البلدين وتوجت بالتوقيع على 08 اتفاقيات مشتركة ، وسبل الرفع في حجم التبادل التجاري المقدر سنة 2015 بـ601.7 مليون دينار ( 353.2 مليون دينار صادرات تونسية و248.5 مليون دينار واردات) وتأمين الاستفادة المشتركة من تجارب البلدين في قطاعات الطاقات المتجددة والمناجم والموانئ والفلاحة والصيد البحري والتشغيل وغيرها، إلى جانب الحضور المشترك في أسواق إفريقيا وأمريكا اللاتينية في إطار التعاون الثنائي ومتعدد الاطراف”.
شدّ الرّحال من ليبيا في اتجاه المغرب
ليبيا كانت الوجهة التي سار فيها الركّب الحكومي بقيادة “الصّيد” الذي كان أدّى صبيحة الجمعة الموافق لـ 06 ماي 2016 زيارة بـ”نصف يوم” إلى طرابلس حيث أجرى سلسلة من المحادثات جمعته بنظيره، رئيس حكومة الوفاق الوطني “فائز السّراج”، حيث أجمع المتابعون والخبراء في ما يتعلّق بالمسألة الليبيّة وعلاقات تونس مع الجارة الشقيقة ليبيا أنّ زيارة “الحبيب الصّيد” عنوانها الكبير “دعم حكومة الوفاق اللّيبي” بقيادة السرّاج، هذه الحكومة التي تحظى باعتراف ودعم اقليمي ودولي، بما يترجم سير أهل الحكم في تونس في فلك التأكيد على منهج التوافق بين الأشقاء الليبيين كخيار استراتيجي لاستكمال بناء المسار الانتقالي الذي انتجه التقارب بين المتخالفين في ليبيا وذلك بإسهام تونسي واضح.
المحطّة المغربيّة في وقتها و”الوحدة المغاربيّة” في الأفق
زيارة المملكة المغربيّة تأتي في وقتها وتفرضها خاصّة متطلبات الظرف الراهن سواء تونسيّا أو على الصعيد المغاربي خاصّة بعد الاجتماع الأخير التي انتظم في إطار مشروع “اتحاد المغرب العربي” الذي يبدو أنّ هناك اتجاها عامّا واجماعا من البلدان ذات العلاقة على إعادة إحياء وتفعيل هذا الصّرح الإقليمي الذي تعطّل لسنوات لهذا السبب أو ذاك، وتبدو المغرب الوجهة الأفضل لتونس في هذه المرحلة بالذات لا سيما في ضوء ما تعرفه المملكة من طفرة اقتصاديّة ومن ازدهار على مستوى السياحة والاستثمار وحتّى الثقافة والفنون، وهي اليوم محطّ أنظار المستثمرين وأصحاب المشاريع الذين يشدّون إليها الرّحال من كلّ أرجاء العالم.
وما يجب الاستناد عليه هو أنّ هناك العديد من آليات العمل المشترك والاتفاقيات والبروتوكولات ومذكرات التفاهم التي تجمع البلدين في مختلف مجالات التعاون، والتي تفوق ال 160 آلية، كما أن تطورات الوضع السياسي في تونس عقب ثورة ” 17 ديسمبر – 14 جانفي” قد ساهمت في تعميق العلاقات بين البلدين، حيث كانت المملكة سباقة إلى التعبير عن تضامنها “القوي والصادق” مع الشعب التونسي بكل مكوناته، مشددة على أن استقرار تونس “يشكل عنصرا أساسيا للاستقرار والأمن الإقليمي وخصوصا بالمغرب العربي”، وهو ما ترجمه المغرب واقعيّا عبر الزيارة التي أداها الملك محمّد السّادس إلى تونس في فترة حكومة المهدي جمعة.
ويذكر أنّ الملك محمّد السّادس كان قد بادر إعطاء تعليماته لإقامة مستشفى ميداني مغربي متكامل بمنطقة “راس جدير” بالجنوب التونسي لدعم الجهود التونسيّة في إيواء ومساعد اللاّجئين اللّيبيين ومن جنسيات أخرى كانوا يتوافدون وقتها على الجدود التّونسيّة، حيث عبّر المغرب عن استعداده لوضع تجربته في مجال “العدالة الانتقاليّة” وتقديم المساعدة اللاّزمة لتونس في ما يتعلّق بـ “هيئة الإنصاف والمصالحة” و”المجلس الوطني لحقوق الإنسان” اقتداء بالنموذج المغربي الذي تعترف الهيئات الدوليّة المختصّة في المجال أنّه أحرز نجاحات معتبرة وملموسة أضحت تضاهي ما بلغته الدّول المتقدّمة”.
معطيات مغربيّة عن العلاقات الاقتصادية مع تونس
تؤكّد الجهات الرسميّة في المملكة المغربيّة أنّ “العلاقات المغربية التونسية تعرف زخما كبيرا تعززه الامكانيات الهائلة التي يزخر بها البلدان والإرادة المشتركة لمواصلة تطوير مبادلاتهما في إطار اتحاد المغرب العربي، بما يفتح آفاقا واسعة لتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية”.
ويكشف المغاربة أنّه “منذ سنة 1956، أولت المملكة المغربية أهمية استراتيجية لعلاقاتها مع الجمهورية التونسية كحليف سياسي وشريك اقتصادي متميز، إذ ما فتئت العلاقات الاقتصادية بين البلدين تتطور، وخاصة بفضل التوقيع في مارس 1999 على اتفاقية إقامة منطقة للتجارة الحرّة التي ساهمت في توسيع وإثراء مجالات التعاون”.
وتضيف المصادر الإعلاميّة المغربيّة أنّ “المبادلات التجارية بين البلدين شهدت نقلة نوعية سنة 2013 لفائدة تونس حيث بلغ حجم الواردات المغربية من تونس حوالي مليار و870 مليون درهم، في حين بلغ حجم الصادرات المغربية إلى تونس أزيد من 730 مليون درهم، حسب الاحصائيات الصادرة عن مكتب الصرف التي تشير إلى أن نسبة تغطية الصادرات المغربية للواردات من تونس بلغت 40 في المائة خلال سنة 2013”.
و”تشمل صادرات المغرب إلى تونس سلع التجهيز والمواد الشبه مصنعة والأدوية والمنتوجات الغذائية، فيما يستورد المغرب من تونس التمور والمنتوجات النباتية والمواد الكيميائية ومنتوجات الورق والمواد البلاستيكية”.
وترى وزارة التجارة الخارجية للمملكة المغربيّة أن “بعض المنتوجات المغربية تصدر إلى تونس بكميات لا ترقى إلى الإمكانيات الحقيقية التي تمنحها السوق التونسية بالنظر إلى واردات هذا البلد، خاصة على مستوى منتوجات السيراميك والمطاط والملابس والاكسسوارات والقطن وأدوات التصوير فضلا عن المواد الكيميائية غير العضوية”.
لمحة تاريخيّة
تعود العلاقات الرّسميّة التّونسيّة المغربيّة إلى بواكير الاستقلال حيث تمّ فتح “البعثة الدبلوماسيّة التونسيّة” بالمغرب سنة 1956، ومن ثمّة التوقيع على معاهدة “أخوّة وتضامن” بتاريخ 30 مارس من العام 1957، وقد تعمّقت العلاقات الثنائيّة وازدادت متانة وتطوّرا لا سيما بعد 11 جوان 1980 موعد إحداث “اللّجنة الكبرى المشتركة” التي عهدت لها مهمّة تأطير التعاون التّونسي المغربي وضبط مجالاته.
وقد تعددت أطر التعاون المشترك وذلك من خلال العمل المشترك عبر عدّة لجان تمّ إنشاؤها للغرض ممثلة في (لجنة التشاور السياسي، لجنة المتابعة والتنسيق، الآلية المشتركة من الكفاءات العالية، اللجان القطاعية…)، الأمر الذي نتج عنه تكثف نسق الزيارات والتشاور بين البلدين (الزيارات الرئاسية وعلى مستوى الوزراء)، وبشكل تدعّمت فيه العلاقات الاقتصادية بين البلدين لا سيما من خلال التوقيع على اتفاقية إنشاء منطقة للتبادل الحرّ (مارس 1999) لتتسع آفاق ومجالات التعاون وتزداد ثراء.
وبالمحصلة فإنّه إذا كانت العلاقات المغربية التونسية ممتازة ومتميزة على الدوام على المستوى السياسي، فإنها على الصعيد الاقتصادي والتجاري تبقى دون مستوى الآمال والقدرات المشتركة وما تستوجبه التحولات وما تقتضيه الإكراهات المطروحة على البلدين. وبهذا الخصوص يذكر أنّ وزير الشؤون الخارجية والتعاون، صلاح الدين مزوار، حرص المغرب على الانتقال بالتعاون بين البلدين نحو شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد داخل الفضاء المغاربي والعربي والإفريقي، مع تنويع مجالات التّعاون الاقتصادي عبر المراهنة على رفع المبادلات التجارية بين البلدين وبناء شراكات بين رجال الأعمال المغاربة ونظرائهم التونسيين في جميع القطاعات ذات الأولوية، حتى تكون العلاقات الاقتصادية في مستوى العلاقات السياسية الاستراتيجية.