سياسة التعويل على الذات لتونس (ق/ع)

سداد الديون الخارجية في الآجال ووضعية متماسكة للمالية العمومية
+تقرير البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية حول الآفاق الاقتصادية الإقليمية: تراجعت حصة الديون الخارجية من اجمالي الدين العمومي لتونس من 70 بالمائة في 2019 الى 50 بالمائة في 2025.
+حسب ميزانية الدولة لسنة 2025، يتوقع أن تسدد تونس 18,2 مليار دينار بعنوان أصل الدين العمومي، منها 8,5 مليار دينار تتعلق بديون خارجية، و9,7 مليار دينار تهم الدين الداخلي
+ خبير اقتصادي: “ضرورة التخفيف من العبء الجبائي على الأسر والأفراد، وهم الذين يمثلون رافعة للاستهلاك والاستثمار الخاص..”.
+ الترفيع في تصنيف الائتماني مع نظرة مستقبلة مستقرة.
النصّ:
تمكنت تونس من سداد أقساط ديونها الخارجية بنسبة 125 بالمائة إلى حدود موفى سبتمبر 2025 متجاوزة بذلك المبلغ المبرمج في قانون المالية والمقدر ب 8469 مليون دينار.
وبالتالي تم خلاص كل القروض الخارجية للعام الحالي قبل نهاية السنة بثلاثة أشهر مع تسجيل مستوى مدخرات مريح وتراجع في الاقتراض من الخارج بشكل عام.
وبفضل سياسة التعويل على الذات، فقد تمكن الاقتصاد الوطني في الأعوام القليلة الفارطة من تجاوز تحديات تغطية احتياجاته من التمويل الخارجي بنجاح، وذلك دون خيار اللجوء للهيئات المالية الدولية الدائنة.
وتمكنت البلاد، عموما، من سداد ديونها الخارجية بالكامل، بفضل توفر رصيد العملة الذي مكن من تكوينه القطاع الخارجي مدعوما بعائدات قطاعي السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج وصادرات زيت الزيتون.
في هذا الإطار، وحسب ميزانية الدولة لسنة 2025، يتوقع أن تسدد تونس 18,2 مليار دينار بعنوان أصل الدين العمومي، منها 8,5 مليار دينار تتعلق بديون خارجية، و9,7 مليار دينار تهم الدين الداخلي.
بالإضافة إلى ذلك، تبلغ أقساط فوائد الدين العمومي للسنة المقبلة 6,5 مليار دينار، مقسمة بين 4,6 مليار دينار كفوائد دين داخلي و1,9 مليار دينار كفوائد دين عمومي خارجي.
يجدر التذكير أن أقساط الدين الخارجي المستوجب خلاصها بعنوان العام الحالي تقدر بنحو 8469 مليون دينار، وينقسم الرصيد في جانب مهم بين صندوق النقد الدولي (1126 مليون دينار) وأفريكسيم بنك (815 مليون دينار) والمملكة العربية السعودية (159 مليون دينار).
ويشار إلى انه، عموما، تراجعت حصة الديون الخارجية من اجمالي الدين العمومي لتونس من 70 بالمائة في 2019 الى 50 بالمائة في 2025، وذلك وفق تقرير نشره البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية حول الآفاق الاقتصادية الإقليمية. وتوقع التقرير، في السياق ذاته، أن ينخفض قائم الدين العمومي لتونس إلى 80,5 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي مع نهاية العام 2025 وهو ما يعكس جهود التحكم في توازنات المالية العمومية على أكثر من مستوى.
كما تبين معطيات البنك الدولي من “تقرير الديون الدولية” أن تونس تتحكم في دينها الخارجي وحصة خدمة الدين في الدخل الوطني الإجمالي وسط وجود نسبة مهمة من الديون قصيرة الأجل على مستوى قائم الديون الخارجية، بالإضافة إلى تسجيل سيطرة واضحة على عبء الديون مقارنة بموارد القطاع الخارجي، خاصة في ما يتعلق بالصادرات.
وبالتالي تمكن الاقتصاد الوطني في الأعوام القليلة الفارطة من تجاوز التحديات الكبرى لتغطية احتياجاته من التمويل الخارجي بنجاح، وذلك دون خيار اللجوء للهيئات المالية الدولية الدائنة.
واستطاعت البلاد، اجمالا، سداد ديونها الخارجية بالكامل، مستفيدة من رصيد العملة الذي وفره القطاع الخارجي ولا سيما عائدات قطاعي السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج وصادرات زيت الزيتون.
*خبير اقتصادي: تونس تؤمن بأريحية سداد كل ديونها الخارجية لسنة *2025
قال الخبير الاقتصادي، ماهر بالحاج، إن تمكن تونس من سداد كل ديونها هو خيار استراتيجي يتم الإعداد له بشكل فني وفق منهجية مطابقة لمعايير المحاسبة العمومية حيث يجري تأمين أقساط القروض العمومية لا سيما الخارجية منها بحسابات الخزينة بشكل مسبق وذلك لضمان الايفاء بكل المستحقات على مدار السنة المالية.
وعلى هذا الأساس فان نسبة سداد الديون التي تفوق 100 بالمائة تعني ان تأمين المستحقات بمعنى خدمة الدين من أصل وفوائد يتم كاملا في إطار التوقي من اي اشكال في السيولة وذلك بالاعتماد على مدخرات البلاد بالعملة الأجنبية.
ومن هنا فإن مؤشر السداد الذي يصل إلى 125 بالمائة نهاية سبتمبر 2025 هو مؤشر تأمين يعكس الإيفاء بكل أقساط ديون تونس للسنة الجارية بما يشمل فوائض وفوارق الصرف ومختلف الهوامش والعمولات المترتبة على خلاص القروض للجهات المانحة.
*وضعية المالية العمومية لتونس متماسكة*
وشدد الخبير الاقتصادي على ان وضعية المالية العمومية لتونس متماسكة وان تونس لها صلابة مالية بما يعكس قدرتها الذاتية وسيادتها على مستوى التصرف في الشأن المالي داخليا وخارجيا مؤكدا أن توفر رصيد من العملة الصعبة يجعل البلاد تتمتع بأريحية في خلاص الديون الخارجية والتوريد .
كما دعا بالحاج إلى الإسراع بتوجيه الاستثمار الخارجي نحو دعم البنى التحتية والنسيج الاقتصادي لاسيما المؤسسات الصغرى والمتوسطة والتي تمثل 94 بالمائة من النسيج الاقتصادي ومواطن خلق الثروة على نحو عام وهو ما يقلص من اللجوء الى التداين بكافة أصنافه.
*ضرورة التخفيف من الضغط الجبائي على الأسر والأفراد*
وأكد الخبير ضرورة التخفيف من الضغط الجبائي على الأسر والأفراد، وهم الذين يمثلون رافعة للاستهلاك والاستثمار الخاص، وهو ما يؤدي إلى توجيه قسم من مدخراتهم الى الاستثمار معتبرا ان من تصل مداخيله السنوية الى 120 ألف دينار يعد من الطبقة المتوسطة باعتبار التضخم المتراكم لمدة 15 سنة.
**توقعات البنك الدولي**
يذكر أن البنك الدولي توقع في تقريره الأخير الصادر الثلاثاء 7 أكتوبر 2025، أن يسجل مسار التداين تحسنا طفيفا ليصل الدين العام لتونس إلى 83.6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2027 مقابل 84.5 بالمائة سنة 2024.
كما توقعت المؤسسة الدولية تراجع عجز ميزانية الدولة من 5.7 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في 2025 الى 4.4 بالمائة في سنة 2027.
وكان رئيس الدولة قيس سعيد قد ذكر في لقاء جمعه برئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري بأن تونس اختارت التعويل على ذاتها وسددت كل ديونها في مواعيدها.
**وكالة فيتش رايتنغ ترفع تصنيف تونس إلى “B-” مع نظرة مستقبلية مستقرة**
قامت وكالة فيتش رايتنغ للتصنيف الائتماني برفع تصنيف تونس من “-CCC إلى “ B-“، مع نظرة مستقبلية مستقرة.
وكشفت الوكالة أن هذا الرفع يعكس تحسنًا مستمرًا في الوضع الخارجي لتونس، مع انخفاض العجز في الحساب الجاري، وصمود تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، واستمرار التمويلات من الشركاء متعددي وثنائيي الأطراف، مما يعزز الاحتياطي من العملات الأجنبية ويدعم السيولة الخارجية الكافية. ومع ذلك، لا تزال التصنيفات مقيدة بسبب ضعف الوصول إلى التمويلات الخارجية في ظل غياب إمكانية الدخول إلى الأسواق الدولية، وهشاشةالميزانية والحسابات الخارجية تجاه صدمات أسعار السلع، في غياب إصلاح دعم الطاقة.
انخفاض العجز في الحساب الجاري:
تتوقع فيتش أن يرتفع العجز إلى 2.2% من الناتج المحلي الإجمالي في 2025 و2.8% في 2027، بعد أن كان 1.5% في 2024، بسبب انخفاض أسعار زيت الزيتون وزيادة واردات السلع. ورغم ذلك، يبقى العجز أقل بكثير من المتوسط بين 2010 و2022 البالغ 7.9%، بفضل تحسن كبير في ميزان الخدمات وتحويلات التونسيين بالخارج، رغم أنه أعلى من متوسط دول التصنيف “B” البالغ 1.8% في 2027.
صمود التمويل الخارجي:
بلغ صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر 1.4% من الناتج المحلي في 2024، وظلت مستقرة رغم الصدمات السياسية والخارجية. ورغم غياب التمويل السوقي وبرنامج صندوق النقد الدولي منذ 2021، استمرت الجهات الدولية والثنائية في تقديم التمويل بنسبة 2.2% من الناتج في 2024. وتتوقع فيتش انتعاش الاستثمارات الأجنبية في 2025 (بزيادة 54% بالدولار مقارنة بالنصف الأول من 2024)، واستمرار الدعم المالي الخارجي حتى 2027.
انخفاض صافي التدفقات الخارجية السلبية:
تتوقع فيتش انخفاض سداد ديون تونس الخارجية العامة، بالتزامن مع استمرار مصادر التمويل الخارجي، مما سيؤدي إلى تراجع صافي التدفقات السلبية من 3.7% من الناتج المحلي في 2024 إلى 1% في 2027. وتستحق السندات الخارجية الوحيدة لتونس بقيمة 700 مليون يورو في جويلية 2026. وتتوقع فيتش انخفاض الاحتياطيات الدولية إلى ما يعادل 3.9 أشهر من المدفوعات الخارجية في 2027، مقابل 4.5 أشهر في 2024.
ارتفاع الحاجة إلى التمويل العام ولكنها في انخفاض:
من المتوقع أن تنخفض الحاجة إلى التمويل (باستثناء ديون قصيرة الأجل) من 18% من الناتج المحلي في 2024 إلى 13.5% في 2027، لكنها تظل أعلى من متوسط ما قبل الجائحة. ويُتوقع أن تنخفض سداد ديون خارجية من 5.8% إلى 3.8% بحلول 2027. ورغم الاعتماد المتزايد على التمويل المحلي، من المتوقع أن تظل المدفوعات المحلية مستقرة تقريبًا.
دعم البنك المركزي:
ساهمت قروض البنك المركزي للحكومة دون فائدة في استقرار التمويل المحلي (4.4% من الناتج في 2024 و4.1% في 2025). وتتوقع فيتش أن تحتاج الحكومة إلى تمويل داخلي طويل الأجل بنسبة 9% من الناتج المحلي في 2025. وتفترض أيضًا أن الحكومة ستعود إلى الاقتراض من البنك المركزي بنسبة 3.8% في 2026، لتمويل السندات الخارجية المستحقة.
العلاقة المتزايدة بين الدولة والبنوك:
ترى فيتش أن البنوك المحلية يمكن أن تلبي احتياجات تمويل الدولة، ولكن ذلك سيزيد من تعرض البنوك للقطاع العام (يشكل حوالي 20% من أصولها). ويتوقع أن تتحمل البنوك المملوكة للدولة جزءًا أكبر من عبء التمويل.
انخفاض العجز المالي:
من المتوقع أن يسهم ضبط كتلة الأجور وتقليص الدعم في خفض العجز المالي إلى 5.3% في 2025، مقابل 6.3% في 2024. وستستأنف الحكومة التوظيف في 2026 بعد ثلاث سنوات من التجميد، ما يؤدي إلى استقرار كتلة الأجور عند 13.5% من الناتج. كما يُتوقع انخفاض تكلفة الدعم بنسبة 0.6% في 2026، مما سيخفض العجز إلى 4% بحلول 2027.
(قيس العرقوبي)