الأخـبـار
الأيورفيدا، التراث الحي للهند: في خدمة رفاه تونسمن الحكمة القديمة إلى دبلوماسية الرفاه، تواصل الأيور... بمناسبة الذكرى الـ52 لانتصارات السادس من أكتوبر المجيدة:إحتفال مصري تونسي بنكهة دبلوماسية الاحتفال بذكرى ميلاد المهاتما غاندي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في منوبة بتقديم الزهور على تمثا... افتتاح الدورة الثانية للصالون المهني للصناعات التقليدية 'ARTICREA 2025' المنتخب التونسي يستهل تحضيراته في قمرت استعدادًا لتصفيات المونديال الحمامات: اختتام تربص تكويني لحراس المرمى بإشراف "الفيفا" إتحاد إذاعات الدول العربية يسلّم الى جمعية قرى أطفال SOS تونس مبلغ مداخيل حفل افتتاح المهرجان العربي... الدبلوماسية الثقافية تجمع الهند وتونس في ذكرى ميلاد غاندي شركة تونسية تحقّق سابقة عالمية: "سيكام" تتحصّل على شهادة صفر بقايا مبيدات في صناعة الطماطم تونس ترحب بسفير جديد لبوركينافاسو وسط آفاق واسعة للتعاون المشترك الإعلام في خدمة الطفولة: إتحاد إذاعات الدول العربية يدعم جمعية SOS تونس المنتخب التونسي بين طموحات المونديال وتعزيز الصفوف: رهانات المرحلة القادمة
تحقيقات

“الدنيا حكايات” “كـــابوس جنديّ”

أخيرا تحصّل على ورقة السراح النهائي من مكتب الضّبط والخدمات الإدارية بالثكنة بعد أن أمضى عاما كاملا يعلم الله وحده، وهو، كيف مضى، عام ليس كأي عام.. كل الضّباط وزملاؤه الجنود شهدوا له بالانضباط وحسن السيرة والخلق. كان مثالا للشاب الملتزم والمؤمن بالصبر والرصانة، يشحذه الطموح، طموح وقّاد وهمّة عالية.

قام إلى غرفته فرتّبها.. نظّف أواني مأكله ومشربه وأحضر أدباشه المدنية وأعد العدّة لمغادرة الثكنة. لم يغمض له جفن طيلة الليل وبدت له الثكنة، المشيدّة في عمق الصحراء، غريبة موحشة على غير العادة. تذكّر، بألم ومرارة، كيف أرسل إلى الجندية، يومها ودّع أبويه تاركا إياهما يكابدان قسوة الفقر والحاجة في قرية ريفية نائية مخلفا وراءه إخوة صغارا ضعافا، لا حول لهم ولا قوة.

نزل مع والده يمتطي ظهر بغلة أمعنت في الكبر وشحبت ونتأت عظامها، فكان يحسّ وخزها في دبره وشقّ ردفيه، وكلما تقدمت الدّابة خطوة في المسالك الوعرة المحفورة بحوافر الدواب على تقاسيم الجبال والروابي، ازداد الوجع. الأحداث لم تمهله طويلا، فلم يكد يضع مطلبا ضّمنه إلحاحا وتضرّعا، في صندوق مركز البريد الوحيد وسط المدينة للعثور على عمل يقيه شحّ الدنيا والناس وعثرات الحرمان ومقته. 

وجد نفسه بعد سلسلة من الأحداث الرّوتينية المتعاقبة في مركز للتجنيد وجها لوجه أمام واجب خدمة الوطن.. لا بد من تأدية الواجب ولا عذر لديه.. شيخوخة أبيه ومرض أمه وصغر إخوته وبطالته هي أعذار وحجج لا يعرف إن كانت معه أم ضدّه. اكتفى بالصمت والتسليم بما كتبه القضاء وأعلم عائلته عن طريق بعض المعارف من أعيان المدينة أنه أرسل إلى الجندية. ولم يكن لعائلته قرار غير الصمت الصبر.

ذلك اليوم، اغرورقت عيناه بالدموع، خفية وعلنا، وخنقته العبرات، وتأسف كثيرا لما حل به كل ساعة تمّر إلا وصورة أمه وعيناها متورّمتان من الدّموع المنهمرة على وجنتيها الهزيلتين وهي تودعه، لا تفارقه.. لم تغب عنه “أشباح” إخوته بأجسادهم الذاوية الضعيفة، ولم تختف عنه في يقظته ولا في منامه سحنة وجه أبيه المثقل بهموم الدنيا وشقاوة الدهر.

طيلة سنة بالتمام والكمال، يستفيق على كابوس مفزع ورؤيا مأساوية حزينة.. تكّرر الحلم المشؤوم، فلم يجد غير الاستعاذة والاستغفار لطرد همزات الشيطان أو هكذا ظن واعتقد، لكن دون جدوى. الكابوس لم ينقطع عنه وواصل عناده في حضور مناماته ليلا ونهارا.

لم يشأ البوح بسّره لأقرب أقربائه ولا أصدقائه ولا زملائه من الجنود، وناء بحمل ما خفي في صدره. لم يجد غير الصبر وانتظر فعل المشيئة وتقدير الأقدار.

عجب أن ﭐضمحلّ الكابوس ليلة وداعه الثكنة. خال أن بُعده عن عائلته هو لا محالة سبب ما يجتاحه من أوهام ووساوس وأن رجوعه إلى أحضان أفرادها كفيل بأن يمحوها ويمحقها ويطردها إلى غير رجعة. لكن، هيهات هيهات، لما وعد به نفسه.

غادر الثكنة عقب غداء منتصف اليوم.. حمل حقيبة متاعه.. ودّع رفاق وحدته.. دعا له الضباط والجنود
بالتوفيق والسلامة، وكانت السلامة آخر شيء كتب له.

 نشرت الجرائد بعد يومين على صفحاتها حيثيات حادثة مقتل شاب أكمل للتّو واجبه الوطني في الجندية قتلته ذئاب كانت ترتع في أحراش جبل من الجبال المحيطة بقريته، مزقته تمزيقا، أكلت جثته وتركت بعض عظام وبقايا ثياب علقت فيها دماء الضحية.. تحققت منامات الكابوس.. كابوس أنذر صاحبه بمصير مشؤوم، وقدر محتوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
error: هذا المحتوى غير قابل للنسخ أو الطباعة.

يمكنكم أيضا متابعتنا على صفحتنا على الفيس بوك