( قــيــس الــعرقوبي): “ثورة صاحب الحكومة”
حديث في أوساط الشّعب إلاّ عن حرب “يوسف الشّاهد” على الفاسدين، الرجال
والنساء، الشّيب والشباب في البيوت والشّوارع والمقاهي، وفي مواقع العمل في مؤسسات
الدّولة ولدى الخواصّ لا اهتمام لهم غير هذه “المعجزة” التي حصلت في
تونس، نعم كثير يصفونها بالمعجزة لأنّ تونس على مرّ تاريخها الطّويل العريض لم
تعرف أن جاءها “حاكم” ناصب العداء للفاسدين خاصّة من الأثرياء وموظّفي
الدّولة الذين تورّطوا في سرقات وتجاوزات طالت الدولة والعوامّ، نعم يصف النّاس في
البلد ما أقدم عليه “الشّاهد” بالمعجزة فتونس عبر تاريخها المديد لم
يحصل وأن انتصر فيها “حاكم” للشّعب البسيط إذا حصل وهضم جانبه واعتدي
عليه من رؤوس الأموال أو من الأمن أو من القضاء.
“خوفه” من تطبيق قانون الدّولة على الفاسدين من بارونات المال المشبوه،
وهناك من يرى في “المهدي المنتظر” المخلّص لتونس من ربقة الظلم والغطرسة
التي طالتهم لعقود لم ينخفض منسوبها، وإن تقلّصت نسبيّا بعد الثّورة، وذلك بعد خوف
سرى في صفوف بعض رجال الأعمال المورّطين أو غيرهم، وهاهي اليوم تتقلّص الإعتداءات
المباشرة والواضحة من جانب بعض المحسوبين على أجهزة الأمن والسجون والديوانة
والقضاء وعدد من القطاعات الحسّاسّة، هذه الأجهزة الوطنيّة التي تعدّ براء من
ممارسات هؤلاء المارقين.
المعقود المستعصي حلّه على الأفهام، بل سينجلي كلّ لبس وسينزاح كلّ غموض إذا عدنا
إلى أوّل خطاب أدلى به رئيس الحكومة، الشّابّ الأربعيني، خلال نيله ثقة أعضاء مجلس
نواب الشّعب الذي استهلّ بـكلام ربّاني مفاده: “إِنْ أُرِيدُ إِلَّا
الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ” ( قرآن كريم)، كلام مرّ مرور الكرام، وقال
أغلب السّامعين والمتابعين، عبارات مثلها مثل ما يقوله السياسيّون الذين يقولون ما
لا يفعلون.
الشّاهد” خلال أوّل لقاء تلفزي الذي قال “الفاسدون مكانهم السّجن”،
وقتها قال القائلون، “كلام فارغ”، و”عيش بالمنى يا كمّون”
و”منامة عتارس”، واعتبر آخرون أنّ “يوسف الشّاهد ما هو إلاّ وزير
أوّل ينفّذ ما يأتيه من قرطاج”، وذهب البعض الآخر إلى أنّ “الشّاهد ليس
سوى موظّفا عند الرّئيس الباجي”، وقيل أكثر وأقلّ من هذا.
كلّ التوقّعات لا سيما أولائك الذين اعتادوا وآثروا الإصطفاف وراء نظريّة
“مولى المول والكبران وخدّام الحزام والقاضي ولد الدّار”، بل قلب
الطّاولة على جميع المنظّرين لتونس “حوت ياكل حوت وقلبل الجهد يموت”،
فهذا الشّاب الأربعيني تجرّأ على من لم يفعله لا الزعيم بورقيبة ولا المخلوع بن
علي ولا غيرهم من بايات الهانة ورقود الجبّانة، إلاّ المصلحين منهم.
أنّها آثرت الوطنيّة واعتنقت تنفيذ القوانين على مواطني البلد دون اعتبار لا
لممتلكاتهم وأرصدتهم ولا لوظائفهم العليا، لذلك فهي ثورة بالمفهوم الواقعي
التّونسي الذي لم تشهد فيه تونس، وحتّى بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي، لم
تشهد إعلانا رسميّا لحرب من السلطات العليا في البلاد ضدّ الفاسدين من رجال
الأعمال أو مسؤولي الدولة أو موظفيها الكبار في بعض المناصب.
السياسيّون وأطنبوا في خطاباتهم عن محاربة الفساد لكن لا أحد مرّ إلى تنفيذ
القانون ولا أحد تجرّأ بوضع يد العدالة على هؤلاء المتجاوزين خفاء وعلنا لتشريعات
الدولة التونسية، الأمر الذي حدا بفئات واسعة من الشعب التونسي والطبقة السياسيّة
إلى نعت مسيّري البلد والمشرفين على السّلطة في وقت ما بأصحاب “الأيادي المرتعشة”،
وهو أمر جدّ صحيح.
الدولة.. يفعل ذلك بلا خجل من الفاسدين ودون وجل منهم، “الشّاهد” يقوم
بواجبه الوطني الذي هو من حقّ الشعب التّونسي عليه.