النهضة الماليزيّة وفارسها “مهاتير محمّد”.. كيف حقّق المعجزة؟؟؟

( ملفّ خاصّ بتــصـرّف: قيس العــرقــوبي) :
يخبرنا التاريخ أن لكل وطن فرسانه ورجاله الذين يؤدون واجبهم تجاه شعوبهم
وأوطانهم ويواجهون التحديات والصعاب، ويدفعون الغالى والرخيص من أجل النهوض بالوطن
وإسعاد الشعوب مهما كلف الأمر من عناء وتضحيات تاركين وراءهم سيرة عطرة بعد أن
يتواروون عن الأضواء..؛ وعند الحديث عن هؤلاء يبرز دور مهاتير محمد أحد الذين سطع
نجمهم فى تاريخ ماليزيا الحديث.
أصبحت فيها ماليزيا دولة صناعية متقدمة يساهم فيها قطاعا الصناعة والخِدمات بنحو
90% من الناتج المحلي الإجمالي.
يوازى فى تحوله التجرِبة اليابانية؛ وهى التجرِبة التى استلهمها مهاتير نفسه
كنموذج للتنمية فى ماليزيا..
وتمكن من تغيير وجه ماليزيا والنهوض بها تنمويا وجعلها في مصاف الدول الاقتصادية
المتقدمة؛ حيث تمكن من الانتقال بها من مجرد دولة زراعية تعتمد على تصدير السلع
البسيطة إلى دولة صناعية متقدمة، فأصبح الفكرالتنموي للزعيم الماليزي مهاتير محمد
مثالاً يحتذي به.
لعل من الأمور اللافتة للنظر في تجربة ماليزيا قدرة المجتمع الماليزي على تجنب
الصراعات والخلافات بين المجموعات العِرْقية الثلاثة المكونة للسكان البالغ عددهم
24 مليون نسمة وهي: المالايو الذين يمثلون 58% من السكان، والصينيون الذين تبلغ
نسبتهم 24%، والهنود البالغ نسبتهم 7%.
الأساسية وهي الإسلام بالإضافة للديانات الأخرى مثل البوذية والهندوسية.
الحقوق الدينية للأقليات الدينية الأخرى “؛ لذلك لزم التوحد بين جميع الأطراف
لتسير البلاد كلها من أجل الاتجاه نحو هدف واحد والعمل وفق منظومة تتكاتف فيها
جميع الفئات.
والركيزة الثانية في خطة التنمية تمثلت في البحث عن دولة مناسبة تقوم بعملية الدعم
لماليزيا في تجربتها نحو التقدم والتنمية؛ وكانت هذه الدولة هي اليابان التي أصبحت
من أكبر حلفاء ماليزيا في مشروعها نحو التنمية والتقدم.
الأنظار إليها.
كما قام مهاتير محمد بإدخال التكنولوجيا الحديثة والتدريب عليها حتى يتم الانتقال
بالبلاد سريعا إلى مرحلة أخرى أكثر تقدما مع تحقيق إمكانيات التواصل مع العالم
الخارجي.
تبنى مهاتير محمد المنهج التنموي والذى دفع بالمالايا نحو النهضة التنموية؛ وذلك
من خلال توفير مستويات عالية من التعليم والتكنولوجيا، كما شجع على تعلم اللغة
الإنجليزية، وقام بإرسال البعثات التعليمية للخارج والتواصل مع الجامعات الأجنبية.
العلمية والتكنولوجية كي يستطيع الانفتاح والتواصل مع العالم الخارجي والتعرف على
الثقافات المختلفة، ثم بعد ذلك الدفع به إلى سوق العمل من أجل زيادة الإنتاج وخفض
مستوى البطالة بين أفراد الشعب؛ حيث كان يهدف لتفعيل الجزء الأكبر من المجتمع
الأمر الذي يعود بارتفاع مستوى التنمية الاقتصادية للبلاد في نهاية الأمر.
الزراعية والمواد الأولية البسيطة مثل المطاط والقصدير وغيرهما إلى دولة صناعية
متقدمة، وأصبحت معظم السيارات التي توجد بها صناعة ماليزية خالصة، وزاد نصيب دخل
الفرد زيادة ملحوظة فأصبحت واحدة من أنجح الدول الصناعية في جنوب آسيا.. ما أدى
إلى تقوية المركز المالي للدولة ككل.
من 1247 دولارا فى عام ١٩٧٠ الى 8862 دولارا سنة 2002 ، كما انخفضت نسبة البطالة إلى حدود البطالة
3 بالمائة.
أسواق الدول النامية أمام الشركات الأمريكية العملاقة التى لا تقوى مؤسسات الدول
النامية على منافستها فيستمر الاحتكار، بل رفض تطبيق السياسات التى أوصى بها صندوق
النقد الدولى أثناء الأزمة المالية فى ماليزيا، وأصدر مجموعة قرارات تفرض قيودا
على التحويلات النقدية من الخارج، وخالف سياسة تعويم العملة.
محاور بصفة خاصة وهي: محور التعليم ويوازيه محور التصنيع ويأتي في خدمتهما المحور الاجتماعي.
كان اهتمام مهاتير محمد بالتعليم منذ مرحلة ما قبل المدرسة الابتدائية؛ فجعل هذه
المرحلة جزءًا من النظام الاتحادي للتعليم، واشترط أن تكون جميع دور رياض الأطفال
وما قبل المدرسة مسجلة لدى وزارة التربية، وتلتزم بمنهج تعليمي مقرر من الوزارة.
كما تم إضافة مواد تُنمي المعاني الوطنية وتغرز روح الانتماء للتعليم الابتدائي –
أي في السنة السادسة من عمر الطفل، ومن بداية المرحلة الثانوية تصبح العملية
التعليمية شاملة؛ فبجانب العلوم والآداب تُدرَّس مواد خاصة بالمجالات المهنية
والفنية التي تتيح للطلاب فرصة تنمية وصقل مهاراتهم.
المدارس الثانوية وتؤهلهم لدخول سوق العمل في مجال الهندسة الميكانيكية
والكهربائية وتقنية البلاستيك، وكان من أشهر هذه المعاهد معهد التدريب الصناعي
الماليزي، والذي ترعاه وزارة الموارد البشرية، وقد أصبح له تسعة فروع في مختلف
الولايات الماليزية.
وتوافقًا مع ثورة عصر التقنية قامت الحكومة الماليزية في عام 1996 بوضع خطة تقنية
شاملة من أهم أهدافها إدخال الحاسب الآلي والارتباط بشبكة الإنترنت في كل مدرسة بل
في كل فصل دراسي؛ وبالفعل بلغت نسبة المدارس المربوطة بشبكة الإنترنت في ديسمبر
1999م أكثر من 90% وبلغت هذه النسبة في الفصول الدراسية 45%..
كما أنشأت الحكومة الماليزية العديد مما يعرف بالمدارس الذكية التي تتوفر فيها
مواد دراسية تساعد الطلاب على تطوير مهاراتهم واستيعاب التقنية الجديدة؛ وذلك من
خلال مواد متخصصة عن أنظمة التصنيع المتطورة وشبكات الاتصال ونظم استخدام الطاقة
التي لا تحدث تلوثًا بالبيئة.
ومستوياتهم الدراسية المختلفة، ويتم اختيار مدير المدرسة من القيادات التربوية
البارزة، ويساعده فريق من الأساتذة ممن لديهم قدرات مهنية ممتازة، كما تتيح مشاركة
الطلاب في اختيار البرامج الدراسية، بجانب حرص هذه المدارس على التنويع والتطوير
في أساليب التدريس مثل الرحلات العلمية والأيام الترفيهية.
الماليزية على التعليم في عام 1996م على سبيل المثال نجده 2.9 مليار دولار بنسبة
21.7% من إجمالي حجم الإنفاق الحكومي، وازداد هذا المبلغ إلى 3.7 مليار دولار عام
2000م بما يعادل نسبة 23.8% من إجمالي النفقات الحكومية.
معامل للعلوم والكمبيوتر، ومنح قروض لمواصلة التعليم العالي داخل وخارج البلاد.
التعليم أصبحت من الأمور التي لا جدال فيها، وأصبح القانون الماليزي يعاقب الآباء
الذين لا يرسلون أبناءهم إلى المدارس .
في الدول المتقدمة، وفي هذا السياق تم إنشاء أكثر من 400 معهد وكلية جامعية خاصة
تقدم دراسات وبرامج تتواءم مع جامعات في الخارج، كما أتاحت الفرصة للطلاب
الماليزيين لمواصلة دراستهم في الجامعات الأجنبية.
على تقوية العَلاقة بين مراكز البحوث والجامعات وبين القطاع الخاص – أى أنها عملت
على فتح المجال لاستخدام أنشطة البحث الجامعية لأغراض تجارية..
بمفردها بل شاركتها في ذلك المصانع والمؤسسات المالية والاقتصادية – كل حسب
حاجته..
إلى أن الدولة استطاعت أن توجه ما كان يمكن أن يصرف على هذه الأنشطة إلى مصارف أخرى
مهمة؛ ومن جراء ذلك امتلكت المصانع الماليزية القدرة على التطوير بل والابتكار
والمنافسة وإثبات وجودها في الأسواق المحلية والعالمية.
تمامًا، بل تُقدِّم الحكومة قروضًا بدون فوائد لتمكين الآباء من إرسال بناتِهم إلى
المدارس وتوفير مستلزمات المدرسة، وتعطي الفقراء مساعدات مجانية لهذا الغرض.
وذلك حين شجعت الصناعات ذات التقنية العالية وأولتها عناية خاصة، كما عملت على
التصنيع فى الأسمنت والحديد والصلب، بل وتصنيع السيارة الماليزية الوطنية
(بريتون)، ثم التوسع في صناعة النسيج وصناعة الإلكترونيات والتي صارت تساهم بثلثي
القيمة المضافة للقطاع الصناعي وتستوعب 40% من العمالة.
والمدربة بأحدث الوسائل فأصبح في مقدورها إثبات وجودها بل والمنافسة على الصدارة.
التوسع الذي حدث في استثمارات القطاع الصناعي؛ حيث أنشئ أكثر من 15 ألف مشروع
صناعي بإجمالي رأس مال وصل إلى 220 مليار دولار، وشكلت المشروعات الأجنبية حوالي
54% من هذه المشاريع ما يعكس مدى الاطمئنان الذي يحمله المستثمر الأجنبي لماليزيا
من ناحية الأمان وضمان الربحية العالية، بينما مثلت المشروعات المحلية 46% من هذه
المشاريع.
وظيفة، إلى جانب الفائدة الكبرى المتمثلة في نقل التقنية الحديثة وتطوير مهارات
العمالة الماليزية..
أيضًا تحققت في فترة ولاية مهاتير محمد طفرة ملحوظة في مشروعات الاتصالات
والمعلومات التي كانت تحظى باهتمام ودعم حكومته كعنصر مهم من عناصر خطته التنموية،
وكان يسميه “الاقتصاد المعرفي”، وبالفعل أصبحت ماليزيا محطة إقليمية
وعالمية
مهاتير..والازمة المالية
لعب مهاتير دورا بارزا في إدارته للأزمة المالية التي عصفت بكل دول شرق آسيا؛ ففي
نهاية التسعينيات تعرضت العملة الماليزية وهي “الرينجيت” إلى مضاربات
واسعة بهدف تخفيض قيمتها، وظهرت عمليات تحويل نقدي واسعة إلى خارج ماليزيا وبالأخص
من جانب المستثمرين الأجانب، وبدا أن النجاح الذي حققته على وشك التحول إلى فشل.
وبعد بحث مستفيض للموضوع أصدر مهاتير محمد مجموعة قرارات تهدف إلى فرض قيود على
التحويلات النقدية خاصة الحسابات التي يملكها غير المقيمين وفرض أسعار صرف محددة
لبعض المعاملات.
لنصائح صندوق النقد الدولي، ورغم ضغوط البنك الدولي أصر مهاتير على سياسته التي
أثبتت الأيام أنها كانت ناجحة وبفضلها اجتازت ماليزيـا هذه الأزمة بأقل الخسائر بل
إن دولاً كثيرة درست سياسته وحاولت تكرارها والاستفادة منها.
ويمكننا أن نستخلص من التجرِبة المهاتيرية أن هناك عاملين أساسيين ساهما في نجاح
مهاتير محمد أوَّلهما: “القدوة” بمعنى حرصه على البداية من حيث انتهى
الآخرون؛ ونجد هذه القاعدة بوضوح عندما قرر البحث في تجارب الدول الناجحة والتعرف
على الطرق التي سلكوها لتحصيل النجاح والاختيار من بينها، إلى جانب التعرف على
الأخطاء التي وقعوا فيها والمشاكل التي واجهتهم في طريقهم حتى يتجنبها.
عليه أن يتحرى بدقة لاختيار النموذج الذي سيصبح القدوة للدولة الماليزيـة الناشئة،
واستقر في النهاية على اتخاذ اليابان كقدوة لبلاده للتشابه الكبير بين ظروفهما من
حيث قلة الموارد الطبيعية، وتركيز اليابان على العنصر البشري وتنمية مهاراته
وإعداده لبناء نهضتها الصناعية، بجانب حرصها على الجانب الخلقي وغرس المفاهيم مثل
أهمية العمل الجماعي وأهمية الانتماء للوطن والعمل على رفعته.
النجاح لدى المجتمع الماليزي بجانب تكوين قاعدة ارتكاز معقولة من تعليم جيد وقدر
معتبر من صناعات وطنية تتجه نحو تحقيق الاكتفاء، بقي دور القائد الماهر الذي
يستطيع إدارة هذه العوامل ويجيد استخدامها ليصل إلى النجاح المنشود؛ هذا الدور
الذي قام به باقتدار الدكتور مهاتير محمد.
ونراه يتابع تنفيذ مراحل خطته دون كلل، ونراه يقضي على أية محاولة لإثارة الفتنة
بين التركيبة الصعبة للمجتمع الماليزي بكل حزم؛ وذلك بجانب حرصه على تنفيذ سياسة
خارجية متميزة جعلت له مكانة في المحافل الدولية كمفكر وصاحب رأي.
بتــصـرّف: قيس العــرقــوبي)